Sunday, April 10, 2011

فتات المطر

بمجرّد أن استيقظت، وقبل حتّى أن تفتح عينيها، قفزت إلى ذهنها كل أفكار الليلة السابقة. صدمتها الأفكار فاستسلمت لها، وراحت تُكرر مرة أخيرة ما قضت حتّى الفجر تقنع نفسها به. "أنتِ بخير .. وستصبحين في حالٍ أحسن .. لا داعي للذكريات .. انتبهي إلى نفسك .. وإلى ميعاد العمل المهم .. تعرفّي إلى أناس جدد .. واخرجي من الدوائر المغلقة التي سُجنتِ فيها كلّ هذه السنين".

فتحت عينيها، ونظرت إلى ألواح مروحة السقف التي تدور فوقها. ركزّت على لوح واحد تتابعه في دوراته، وأغمضت عينيها لتحاول أن تتخيل هذا اللوح وهو يدور في الإتجاه المعاكس. نجحت فيما أرادت، ولكنّها انتبهت إلى سرحانها فوبخّت نفسها "هيّا هيّا .. لدينا الكثير من الأشياء الرائعة لنفعلها اليوم بعيدا عن ألواح المروحة".

وقفت قليلا أمام صورتها في مرآة الحمام. "شكلي هنا مختلف عنه في مرآة الغرفة؛ أكثر قابلية للمس، محسوسا أكثر، ويخصني وحدي. وجه مرآة الغرفة يبدو وكأنّه الصورة المتفق عليها لي .. لكنني لا أحبّها ولا أعرفها". هزّت رأسها بخفّة لتنفض عنها هذه الأفكار. نظرت لعيني المرأة التّي تتطلع إليها في المرآة وقالت بيقين: "أنتِ تستحقين ما هو أفضل". أكملت استعدادها، وفي طريقها إلى خارج البيت تجنبت النظر في المرآة الخارجية بجانب الباب لأنها تجد نفسها فيها سخيفة جدا .. صورة مضببة ومهزوزة وخائفة.

خرجت إلى الشارع، ووقفت قليلا على باب العمارة حتّى يتكيّف ذهنها مع التغيّر المفاجئ. شتاءا وقد تمطر. قالت لنفسها أنّها لو أمطرت ستكون بشرى عظيمة. اتجهت إلى المترو. "عربات المترو مكان غير حميميّ إطلاقا. الناس يتحركون في سرعة، يهربون. جدران العربة من الداخل ملساء ذات لون باهت ولا مساحة فيها لأي تفاصيل. نجلس متقابلين ننظر في وجوه الآخرين .. ونحن متحفزّين ضدهم". أمامها، تجلس فتاة، نظرت إليها فأشاحت الفتاة بوجهها بعيدا .. نظرت في الأرض هنينهة ثم رفعت عينيها إلى الفتاة فجأة فالتقت بعينيها. ابتسمت لها لكنّ الفتاة لم تعر ابتسامتها أي اهتمام. جاءت محطة النزول فتنفسّت أخيرا وخرجت إلى الشوارع مرّة أخرى.

لسعة البرد المُحببة والبرودة في أطراف اليدين. تحك يديها معًا لتدفع ببعض الدفء فيهما. تُحب هذا الإحساس وإن لم تدر ما كنهه. تُحب التحوّل من البرودة للدفء، وتحاول دائما أن تمسك باللحظة الفاصلة بينهما، ولا تفلح أبدًا. "ربما لو أفلحت سيغادرني انتشائي بها". نظرت إلى السماء وتمنّت مرّة أخيرة أن تمطر "مطرًا قويًّا". المطر يكسبها إحساسا بالقوة وسط البشر. يُصبحون جميعا فجأة تحت نفس الظروف. يجعل الناس تقف وتفكّر قليلا، حتّى إن كان في "كيف سنصل للبيت في هذا الجو؟" المطر يُفرح الأطفال ويُنقّي الذهن من أي شوائب فيصبح التفكير خالصًا. تكتسب كل الأشياء معانٍ صامتة ويصير لكل شئ رهبته الخاصّة.. رهبة محببة وطفوليّة. والأهم من كل هذا، المطر يُزيد البرد؛ فيصبح البحث عن الدفء بعده منطقيًا، وليس شاذًا. فكرّت أنّها تفكر كثيرا، ليس هذا ما اتفقت عليه مع نفسها .. ثم أنّها لم تمطر بعد.

وصلت للمكان المُحدد. بدا لها الناس كائنات وهمية. "لا ينتمون لأحد، لمكان .. ولا لأي شئ. لا يمتلكون شيئًأ يحبونه. هذا المقهى غير حقيقي .. مؤقت". وهي بدا لها هذا عصيّا جدّا على الإحتمال فترردت كثيرا قبل أن تدخل وتستقر على كرسي منزو. "كيف يستطيع أحدهم أن يكسب شيئا، يعلم أنّه مؤقت، من روحه؟" طلبت كوبا من الماء المثلّج ومشروبا غازيا. شربت الماء وظلّت تتأمّل الثلج. تضع القليل من المشروب الملوّن على الثلج، وتتأمّل تشرب الثلج بلونه. حتّى يُهيأ لها أن اللون صار لا يُمكن فصله عن الثلج. هل ترتكب جريمة بتلويث الثلج الخالص؟ فكرّت أن النقاء الخالص لا معنًى له. يفتقر للحميمية. ولكن الثلج ليس نقيّا خالصا؛ تكوّن بلوراته أشكالا تختلف من مكعب للآخر. ولكنّه لا يختار هذه الأشكال، تفرضها عليه ظروف معينّة. "ثمّ أن النقاء الذي يمكن تلويثه ليس نقاءً خالصًا". ارتاحت لهذه الفكرة، وانشغل ذهنها في الميعاد المنتظر قليلًا، وعادت لتنتبه للثلج مرّة أخرى. فاجاءها ذوبانه. ذابت الطبقة الخارجية من الثلج التّي اكتسبت لون المشروب وعاد الثلج نقيًا مرّة أخرى. إذن هو لا يمكن تلويثه، ويفعل ما يستطيع من أجل العودة لنقائه. "يُفضّل أن ينتهي نقيّا."

أُلغي الميعاد. جاءتها رسالة يعتذر فيها الشخص بشدة. ويسوق مبررات. وهي تساءلت عن سر تبرير الناس الدائم أفعالهم وتصورهم المستمر أنهم مخطئين عليهم الإعتذار. "ألا يعترف لنفسه بحق أن يحدث له شئ طارئ يمنعه من الحضور؟" قالت لنفسها أن ربما لإنهم يكذبون دوما، لذا فحتّى عندما يصدقوا يسلكوا سلوك الكاذبين.

في الطريق إلى البيت لم تكُن تُفكّر في شئ مُحدد. ولكنّها لاحظت أن الناس جميعا يرتدون ملابس لا يحبونها. ولاحظت أن الناس جميعا أيضا يتجنبّون النظر في وجوه بعض. وأنّهم خائفين ووحيدين.

وقفت قليلا على كوبري مرّت به. الضوضاء فظيعة والإزعاج لا يحتمل. أغمضت عينيها وتركت لخيالها - مستعينة بحاسة السمع فقط – مهمة محاولة خلق إيقاع متناغم بين اهتزازات الكوبري وأصوات مواتير السيارات وأبواقها. راحت تتخيّل نفسها مصدر كل هذا الصخب. تتخيّل نفسها قائد أوركسترا يدير فرقة من المُزعجين عليه أن يجد الخيط الرابط بينهم جميعا ليخرج منهم سيمفونية فريدة من نوعها.

توقفت تماما. أسندت لظهرها لسور الكوبري الحديديّ. وأغمضت عينيها بقوّة وانغمست كُليّة فيما تفعل. كانت تبذل أقصى جُهد ممكن لِتدخل نفسها ضمن المنظومة لتتمكن من تخيّل النغمة القادمة. تحاول التوحّد مع كُل ماحولها من أصوات. نجحت لثانية واحدة فقط. استطاعت فيها أن تتوقع صوت بوق سيّارة متزامنا مع مرور مركب من تحت الكوبري واصطدام الهواء بأشرعته. ولم تنجح على الإطلاق بعدها. يئست من أن تنجح فاستكملت طريقها مُطرقة.

ثم أمطرت السماء. ولكن ليس كما كانت تتمنى. قطرات قليلة سقطت من السماء إلى الأرض. انتبهت لصوت القطرات وهي تلامس سطح الأرض. فوقفت قليلا. فكرّت أن القطرات تسقُط من علو السماء. تنفصل عن ذاتها الأُم الكُليّة في مُحاولة منها لإكتشاف ذاتها الفردية. ثُم تصطددم بالأرض. القطرة التي تصل للأرض تتفتت. تتكسّر. تنقسم إلى ذوات أصغر وأصغر. ذوات مُحطمّة. أزعجها جدّا شكل القطرات وهي تتحطّم. تطاير فتات القطرات آلمها، ولم تدرِ لماذا. فجأة داهمها شُعور الفقد. داهمتها كُل الأحاسيس التّي أجلّت فيها. تحطّم الغلاف الواهي الذي حبست خلفه حُزنها. لم تُمطر بالقدر المُقنع. السماء تلفُظ هذه القطرات فقط. أو رُبما هُم الذين اختاروا الرحيل قبل النُضج. ليتحطمّوا وحيدين على أسفلت شوارع يطئها الناس بأقدامهم. ولا يلتفتون إلى حُطام القطرات. لا أحد يلتفت إلى القطرات. عادت إليها كُل الأحزان المُختزنة. وراحت تركُض في الشوارع تهرب من قطرات المطر التي تُلاحقها. وكُلمّا توقفت قليلا لتلتقط أنفاسها، تُفاجئها قطرات مطر أُخرى. لم تنتبه إلى أنّ القطرات تحولّت مطرا كثيفا مع الوقت لأنها ظلّت تركض وتركض حتّى سقطت من الإعياء.

Sunday, March 13, 2011

الأرنب الأسود

على أحد أرصفة الميدان المزدحم، وقف يعرض بضاعته التّي أتى بها في كيس أسود كبير. رجل تجاوز الأربعين، بشارب دقيق، جاكت قصير من الجلد وبنطلون جينز، عينين ضيقتين وسيجارة. يستند بظهره إلى السور مراقبًا بضاعته: عرائس صغيرة متحركة . فيلٌ زهريّ اللون بخرطوم قصير وأذنين عريضتين تهتزان مع حركته، كلب أبيض يرقص ذيله عندما يسير، عروسة على هيئة فتاة شعرها أصفر وتمسك ميكروفونا ترقص وهي تغنّي فيه أغنية أجنبية، موتوسيكل سباق يتحرك بسرعة وعليه سائقه بنظارته السوداء الكبيرة، وأخيرا، أرنب أسود له عينان ضيقتان، وحركته البطيئة أشبه بحجلة الغراب منها بقفزات الأرنب الرشيقة. والبائع يراقب عرائسه ويهتم بها كأطفاله، يغيّر لهذا حجرا وينقذ هذا إن اقترب من حافّة الرصيف، وبين الحين والآخر، يمسك أرنبه الأسود، يمسح على فروته وينظف قدميه ولا يسمح له أبدًا بالابتعاد كثيرًا.
يُراقب عرائسه المرحة ويبتسم لتفاعل المارّة معها. أطلقها على الرصيف تلعب وتتقافز، يمر الكلب الأبيض بين أرجل عجوز فيُضحكه .. يسير الموتوسيكل نحو طفلة صغيرة فتلتصق في أمّها، وتنظر امرأة عائدة من عملها في هذا الزحام إلى الفيل الزهريّ فيبهجها. حتّى الباعة الجائلون الذين يقفون بجانبه، وأبناء الشوارع المفترشين أرضية الرصيف وعسكريّ المرور، الكل أحب عرائسه المبهجة بألوانها الزاهية ومشاغبتها البريئة للمارّة.
"يا عم حوش فيلك عنّي" .. "كلبك عضني على فكرة" .. "ما تديني الموتوسيكل لفّة أعمل منظر قدّام المدام" .. "حوش البت اللي بتغنّي ديه لأمسكها آداب" .. وهو يسمع كل التعليقات ويبتسم لهم دون كلام.

انقضى نهاره وهو يبيع. لا يتكلم كثيرا ويحتفظ بابتسامة ودودة لا يبدلّها ولا يقبل فصالا:
- بكام الفيل ده؟
- بعشرة
- وآخر كلام؟
- بعشرة
- ما يمشيش سبعة ونصف؟
- بعشرة
- طب هات اتنين.

وقف أحد المارّة ومعه فتاة، وأشار إلى الأرنب الأسود ضاحكًا:
- الأرنب ده شكله عامل زي الشياطين ..
- بكام الأرنب ده؟
اختفت ابتسامة الرجل:
- هتشتريه؟
- يا عم بسأل ..
- مش للبيع يا كابتن ..

كان نصف اليوم قد انقضى وقد باع أغلب عرائسه، لم يبق غير بضع عرائس والأرنب الأسود، عندما لاحظ الفتاة الصغيرة التي لا تبلغ الخمس سنوات، ووقفت تُراقب الأرنب باهتمام شديد.

- عمّو، بكام الأرنب ده؟
- بألف جنيه
- دول فلوس كتير؟ يعني ما ينفعشي دول؟ ..
وفتحتْ أصابعها الدقيقة على نصف جنيه مستقر في راحتها.
- كنتي رايحة تجيبي ايه بالفلوس ديه؟
- ماما اديتهالي عشان أجيب بسكوت بالشوكالاتة من عند عمّو زكريّا
- طب روحي هاتي البسكوت وتعالي

ذهبت وعادت بعد قليل، وفي يدها بسكوتة تقضم منها ..
- انتي عايزة الأرنب ده ليه؟ ده شكله وحش .. ولونه أسود وبيخوّف
ردّت عليه بغضب:
- لأ .. مش وحش
- طب اديني حتّة من البسكوت
- وهتديني الأرنب؟
- آه

أعطته كل ما تبقى من البسكوت. رفع الأرنب من على الأرض، نفّض قدميه ومسح على فروته مرّة أخيرة، وأعطاه لها. حملته بين يديها بسعادة وبرفق، ربتت على ظهره ثم أخذته وانصرفت وهي تغنّي له: أرنوبي ما فيش منّه .. لا في شكله ولا في سنّه ..

لملم الرجل باقي عرائسه وانصرف وهو يأكل قطعة البسكوت.ـ

Saturday, September 11, 2010


لا شئ إلّا ظلّي

Saturday, August 28, 2010

أربعة أحلام قد يكون بينهم رابط ما


(1)
الأرض مصقولة، وجليدية. برودتها وصلت إلى حد أن أفقدت أعصاب قدمي الإحساس بأي شئ فتصلبت. ملساء جدّا، وعليها بضع قطرات ندى تجعلها زلقة.المشهد كُلّه يُغلفّه الصقيع بزرقة بينّة. وأنا أسير بلا حذاء. أخشى الإنزلاق.أرفع إحدى قدميّ بصعوبة وأُحركها قليلا للأمام ثم أضعها بصعوبة أكبر، لأرفع الثانية. الطريق أمامي لامع ولا تظهر نهايته.
من بعيد أسمع دقّات طبول الحرب، بطيئة، رتيبة، وحاضرة بقوّة. "دُم دُم .. دُم" .. "دُم دُم .. دُم". يُشتت صوتُها تركيزي وأتلفّت بحثا عن مصدرها ولكنّي أنتبه إذ كنت على وشك الإنزلاق وبالكاد تمالكت نفسي. أسمع وسط دقّات الطبول أنين ناي هادئ. يظهر ويختفي. يظهر ويختفي. أشرد معه في محاولة الإمساك بلحنه، فتزل قدمي وأنزلق. يرتطم ظهري بالجليد البارد فأغمض عينيّ.
أفيق برعشة في أسفل ظهري. وألم في كل مكان.
***
(2)
هذه المرّة كان الظلام. لا أرى إلّا كفيّ يدي وألمح طرف أنفي. وفي الخلفية يظهر صوت الناي بعيدا. أتلفت بحثا عن أي مصدر نور فيطالعني الوجه الذي أعرفه. لا يظهر إلّا وجهه وكفيّ يديه ويغرق باقي جسده في الظلام. يُقطّب حاجبيه ويمّط شفتيه لأعلي قليلا ، ثم يفردهما حتّى تظهر أسنانه فيما يشبه الإبتسامة –وليست بالإبتسامة- وتضيق حدقتا عينيه وهو يشير بطريقة العارف الذي سيقر أمرا. ثم يتكلم فلا أسمع شيئا. أبحلق في وجهه وشفتيه بلا تعبير واضح. أطرقع بيديّ جانب أذني فأسمع الصوت. ألوّح له أنني لا أسمع فيمتعض ثم يسكت. أعيد طرقعة الأصابع مرّة أخرى وألوّح له بعلامة النصر وأفهمه بالإشارة أن يفعل المثل. يطرقع بإصبعيه فأسمع. وألوّح له بالنصر في عدم فهم. يشيح وجهه ويأخذ نفسا عميقا ثم ينظر لي مرّة أخرى. يعيد طقوس الحاجبين والشفتين مرّة أخرى ويبدأ الكلام. ومن جديد لا أسمعه فأغمّض عينيّ.
وأصحو من النوم بصداع هائل وأطراف جمل بصوت لا أعرفه ترنّ في أذني.
***
(3)
الآن، الصحراء. جبل شاهق من الرمال. الحرارة لا تحتمل والأصفر يصبغ كل شئ. قُرص الشمس ينتصف تماما فوق قمّة الجبل. أنا في سفح الجبل أحاول الوصول لقمته. الرمال ناعمة جدّا تفر من تحت قدميّ، وثمة حشرات صغيرة لزجة تنطلق هاربة من كل بقعة أطأها بقدمي.
من بعيد أسمع طبول الحرب. بطيئة، رتيبة، وحاضرة بقوّة. "دُم دُم .. دُم" "دُم دُم .. دُم". أتلمّس صوت الناي فلا أجده. أُحاول تذكّر لحنه فأنشغل عن الرمال. تطأ قدميّ بقعة مُخلخلة فتزلّ. أنظر للشمس البعيدة وأنا أهوي فتبعُد أكثر. الجبل ينهار وأُدفن تحته. فأغمض عينيّ.
أصحو وجسدي مُلتهب جدّا تنتابه حكّة مؤلمة. وأشم رائحة رمال في أنفي تزكمه.
***
(4)
ذات الظلام، وذات الوجه. والناي يئن من بعيد. ضيّق بين حاجبيه ومطّ شفتيه ولوّح إيذانا ببدء الإقرار. وقبل أن يبدأ بالكلام، أغمضت عيني.
ولمّا أفقتُ كنت قد حفظتُ لحن الناي فرُحت أُدندنه لنفسي.

Saturday, August 21, 2010

Wednesday, August 11, 2010

فوتوغرافيا

حن ع القُلّة .. ده الغريب حنّ


here comes the sun ..


توحُّد


one day I'll fly away ..





ومركبنا تايهة .. مش لاقية بر


تشويش





يا روايح الزمن الجميل .. هفهفي


ايه اللي بينورلي زي السراب .. إذا كنت لسّه داخل السرداب؟


أحلام بهتانة ع الحيطة .. نفسها تثبت وجود

Tuesday, August 10, 2010

طقوس ختام الصلاة لأنثى مثلي

إصراري على آخر نفس في السيجارة، رغم لسعته .. نشوة آخر ضربة قدم على الأرض، والإنحناءة الأخيرة قبل نهاية الرقصة .. دغدغة ذرات البن عند ملامستها للساني في آخر رشفة من كوب القهوة المحوّجة .. الرغبة التي أنهار أمامها دون مقاومة في أن أدفع آخر جنيه أمتلكه لبائع التمر هندي الوسيم على ناصية شارعنا .. الرجفة الممتعة عند وصولي لآخر صفحة في رواية أقرأها وتستغرقني .. رعشة قلمي وأنا أخط به آخر سطر في قصيدتي الغريبة قبل أن أجر خطا لأسجل تحته تاريخ اللحظة التي انتهيت فيها .. الإبتسامة المشرقة حتى في أقسى الظروف الجوية، التي تنير وجهي في لحظة تلامس قدميّ مع السلمة الأخيرة قبل خروجي من باب العمارة الحديديّ الأسود .. إغماضة عيني، وخفقان قلبي وأنا أستمع لغناء طيور تعلن بسعادة لا تضاهي سعادتي تقهقر خيوط الليل الأخيرة أمام الشمس المزعجة .. صفحة الجريدة الأخيرة التي تكتسب معي أهمية الصفحة الأولى، لأني لا أبدأ بسواها أبدا .. صوت القارئ الذي ينخفض إيقاعه مع إقترابه من نهاية قرائته .. ووقفته الفجائية الممهدة عند آخر آية .. التي دائما ما تكون أكثر آية تلمسني .. آخر ضربة قوس على أوتار الكمانجة قبل نهاية المقطوعة ووصول مشاعري لذروتها قبل انتهاء عازفها من إثارتي .. إنحسار موجة بلهاء عن رمال الشاطئ، بعدما ضربتها في جنون .. مخلفة بعد انتهائها، رمال أنعم .. وذكريات جديدة ..

لكم عشقت نهايات الأشياء .. عشق ليس مرادفه كره البدايات .. وانما ذوبان في اللحظة التي ينتهي عندها كل شئ .. ليبدأ من جديد ..

من النهاية يمكنك أن تبدأ .. ومن النهاية يمكن أن ترى كل شئ .. ولكن من البداية، لن ترى شيئا .. فالبدايات على الدوام، صدقني، خادعة .. لا تملك جرأة النهايات في الإفصاح .. والنهايات لها من سحر الغموض، ما يجنبها فضح نفسها قبل أوان القطف .. قبل لحظات التنوير التي ترى فيها حقيقة ما حدث ..

من النهاية، يمكنك أن تفهم وتعرف كل شئ .. ومن البداية، لن يمكنك شيئا ..

طقوس الختام .. تناسب أنثى ملولة مثلي .. تلخص لي كل ما حدث .. في براعة مدهشة .. فأنثى مثلي، رغم استمتاعها التام بكل فصول الصلاة، لا تطيق شوقا للنهاية ..
وعلى الرغم من أني أفشل دوما في توقع النهايات، إلا أنني لا أتوقف عن الحدس بها .. أعيش بدايات الأشياء، لأفشل في تخمين نهاياتها .. هواية لا أمل منها ...

من يعرفني (حقا) .. سيعرف أنني لا أفسد على نفسي التمتع بفصول الصلاة بهوايتي تلك .. وإنما أنا فقط، أضفي عليها طابعي الخاص .. لأجعلها صلاتي أنا .. التي لابد وأن تختلف حتما عن باقي الصلوات ..

ولا أحب النهايات المفتوحة .. لأنها ليست نهاية .. نهاية مزيفة .. لا ترضي شغفي بها .. ولا تعوض انتظاري لها .. أكرهها، كرهي لمناطق الظل الرمادية .. حيث يبهت كل شئ .. وتضيع من الصلاة قدسيتها مللا .. ويفقد الأبيض عذريته من إغتصاب الأسود لطهارته .. ويبهت بريق الأسود بإنتهاك الأبيض لحرمة قتامته ..

ولكنني، على قدر استمتاعي بإنتظار النهاية، يصيبني الملل أحيانا .. إذا بعدت النهاية وطالت .. فأنهي الصلاة بنفسي .. مكتفية بما أديته من فصول .. معتذرة للرب .. الذي يتفهم تهوري .. ويغفر لي ..

لذا دعني أنصحك نصيحة .. إذا أردت الإحتفاظ بأنثى مثلي .. تعشق النهايات .. فعجّل بها .. ولا تطيل فصول الصلاة
الوسطى ذات الظلال الرمادية المملة .. حتى لا أنهي أنا الصلاة .. من دون إعتذار، هذه المرة
-------------
النص قديم جدّا .. منذ شهور عديدة .. لكنّي وضعته الآن لأنني في طريقي لغلق أي منفذ آخر للتعبير عنّي سوى هذه المدونة .. فلابد إذن من نقل كُل الأغراض من كُل الأماكن الأخرى .. الأغراض التي أُحبها فقط